لماذا ثار التونسيون؟
من أجل ماذا خرجوا إلى الشارع و صرخوا؟
لماذا ثُكِّلت الأمهات و يُتم الأطفال و رُمِّلت الزوجات؟
بل حتى إني أتساءل لِم أضرم البوعزيزي في نفسه للنار؟ و لمن أو لأي شيئ قيلت "ديقاج" في 14 جانفي؟
تساؤلات ربما تبدو للوهلة الأولى في غاية الحماقة و تبدو الإجابة عنها في غاية البساطة و لكني اليوم أيقنت أننا نسينا كل أسباب و مسببات ثورة 17 ديسمبر 2010.
لقد تسرب الشك إلى نفسي وسكنتها هذه التساؤلات منذ مدة ليست بالقصيرة و لكن مرأى هذا الزنديق، المنافق،الذي ينطبق عليه وصف الشابي : "حبيب الظلام، عدو الحياة"، المدعو برهان بسيس، أجج فيَّ نار الحسرة على ثورة أراها تضيع و تتلاشى يوما بعد يوم.
سأترك الان موضوع «رهدان بسيس» لآخر هذا المقال، و أعود إلى الاستفهام الأولي : لماذا ثرنا؟
ثرنا ضد نظام فاسد، لا يعطي لكل ذي حق حقه، نظام لا يعطي شيئا من الأساس و لكنه يأخذ كل شيئ. و ها نحن اليوم نعيش مع نظام لم يُعد لنا ما سلب منا، لم يُعد حق شهداء الثورة و يصر على تجاهل معاناة مصابيها.
ثرنا ضد الفساد والأموال المهدورة فيما لايسمن ولا يغني من جوع، ثرنا لنسترد خيرات بلادنا و نتقاسمها بيننا بالحق، وها هي الأموال الطائلة تصرف في الحملات الإنتخابية، ملايين مملينة في لافتات وإشهارات و أبناء الشعب لا يجدون ما يسد رمقهم.
ثرنا من أجل الحرية، حرية التعبير على وجه الخصوص، فأعطونا من الحرية أضغاثا ولكن الواقع يمكن فهمه عبر الشهور الأربع التي قضاها سمير الفرياني في السجن، أو من خلال عملية إيقاف إخوة الشهداء لمجرد مطالبتهم بالكشف عن هوية من أراق دماء أشقائهم أو بعد أن يتعرض شاب للتعنيف من قبل الشرطة و كل ذنبه يتمحور في دعابة عن الموز.
لماذا ثرنا و لمن قلنا «ارحل»؟ قلناها لحاكم ظالم لا يصغي لشعبه و لا يسمع أنّاته، فبماذا استبدلناه؟ استبدلناه بحاكم تقدم به السن و استغحل به الطرش و كل أقواله مأخوذة من التراث الشعبي الغابر.
هل هي ثورة أم مجرد «فورة» شبيهة بقرص ال "إفيرلغان" تضمحل بسرعة تاركة وراءها فقاعات ما تفتؤ تختفي بدورها؟
أرجو أن يكون تقديري خاطئا، و لكني أكاد أفقد الأمل بعد ما رأيت و سمعت اليوم. برهان بسيس، بوق بن علي و لسان الدفاع عن الدكتاتورية، يحيي «أم زياد»... يا للعار و يا للخزي... أم زياد أشرف من أن يذكر إسمها حقير مثلك.
أمثالك يا برهان كان من الأجدر أن يقع ربطهم إلى عمود نور في شارع الحبيب بورقيبة، على الأقل ساعة كل يوم، ليتشفى فيه أبناء الشعب. أنت، كما كتبت في أول المقال، حبيب الظلام فأنت حبيب الدكتاتورية، جبيب الظلم، حبيب بن علي المخلوع. وأنت عدو الحياة لأنك دافعت و تسترت على نظام سفك دماء الآلاف و جعل حياة الملايين جحيما.
ليس ما أقول نابعا من مجرد انزعاجي من رؤية وجهه القبيح و سماع نشاز صوت هذا المناشد ، و لكني أخشى أن تكون هذه الحلقة من "الصراحة راحة" حجر الأساس في سياسة تهدف إلى تعوييد التونسيين على رؤية و سماع رموز النظام البائد حتى يصبح شيئا عاديا و يُنسى كل ما فعلوه بتونس و شعبها.
أخاف أن نفيق في يوم نجد «زعبع» على قناة نسمةأو على الوطنية و هو يترحم على روح محمد البوعزيزي و يشكره على ما فعل.
هذا داء الزهايمر هذا الذي بدأ يصيب عددا كبيرا من أبناء الخضراء هو أخطر ما يكون و هو الذي جعل الكثيرين ينسون أسباب اندلاع الشرارة التي بصدد تغيير ملامح العالم العربي.
و الرجاء كل الرجاء أن نُشفى منه قبل أن يأتي على كل ذاكرتنا فيمحوها بالكامل.